رواية خوف 2 ‎PDF تأليف أسامة المسلم

 من رواية خوف 2 تأليف أسامة المسلم

بعد ذلك الحديث الطويل عن هالة المنزل، وقبل أن أنزل من السيارة، أخبرتُ “عواد” بمدى قوة هالته، ولم نعد نفتح هذا الموضوع مرة أخرى.

مضت أيام لم أخرج فيها من المنزل، وهذا أمر طبيعي بالنسبة لي، لكن ما لم يكن طبيعياً لـ “عواد” هو أنني لم أرد على اتصالاته لفترة طويلة. لم يكن هناك شيء محدد، لكنني كنت بحاجة ماسة لعزلة ممتدة أستعيد فيها توازني. “عواد” في تلك الفترة قد وصل إلى مرحلة يتفهم فيها ذلك، لكن ما لم يتفهمه هو المدة. فعزلتي تلك كانت الأطول منذ أن تعرفت عليه، وهذا ما أثار قلقه، خاصة وأنه التقى بأخي وأبي مرتين دون حضوري، وأخبراه أنني في عزلة، لكنه لم يقتنع واستأذن منهما أن يصعد إلى غرفتي، رغم نصيحتهما له بعدم القيام بذلك، إلا أن إصراره دفع أخي للسماح له بالصعود وطرق الباب.

خلال عزلتي، لا أحب التواصل مع أحد وأستاء جداً ممن يقاطعها، وأخي وأبي مستثنيان من هذا الاستياء، لذلك دون سبب وقبل كل عزلة مطولة، أشرح لهما أهمية ما سأقوم به لنفسي وصحتي، فيقتنعان أحياناً وأحياناً كثيرة لا.

طرق “عواد” الباب فلم أجبه في المرة الأولى. طرقه مرة ثانية وهو يقول: “هل أنت بالداخل؟” سمعت صوته. سؤاله الأول دفعني للابتسام، ولحسن حظه أن عزلتي كانت في أيامها الأخيرة وقد حققت الكثير من الغرض منها، فلم أكن صائماً عن الكلام، ففتحت له الباب وحدقت به دون أن أتحدث معه. فقال بارتباك: “هل أزعجتك؟”

أشرت له بالدخول، وكانت هذه أول مرة يزورني فيها في غرفتي. دخل وبدأ ينظر حوله بتعجب من الغرفة وعتمتها. لم أكن مستغرباً من ردة فعله تلك، لكنني استغربت ما قاله بعد أن استعاد تركيزه.

“عواد”: غرفة جميلة.

• “أنت أول شخص يصفها بذلك.”

“عواد”: هل تستقبل الكثير فيها؟

• “لم يدخلها أحد من قبل عدا قاطني المنزل.”

“عواد” مبتسماً: “هذه سابقة أعتز بها.”

• “ماذا تريد يا ‘عواد’؟” قلتها وأنا أجلس على طرف سريري.

“عواد”: آه.. نعم.. كيف حالك؟

• “بخير.. الآن. ما الذي دفعك لاقتحام عزلتي؟”

“عواد”: هل أنت غاضب؟

• “لو كنت غاضباً منك لهذا السبب أو غيره، لما كنا نتحدث الآن.”

“عواد”: جيد. أريدك أن تخرج معي.

• “حالة مستعصية؟”

“عواد”: لا، لا أبداً، ليس لدي حالات اليوم ولا غداً. في الواقع، ما تعطيه لي يكفي.

حالة “عواد” المادية لم تكن جيدة، ولم يكن لديه وظيفة رغم أنه خريج جامعي، لذا كنت أتفهم محاولته من وقت لآخر إقناعي بأخذ بعض المال من الحالات التي كان يعالجها، رغم رفضي المستمر. خشيت بعد فترة من أن يقع ضحية للإغراءات المادية التي كانت تأتيه، خاصة من العائلات الغنية التي عالج بعض أفرادها، فقررت أن أصرف له راتباً شهرياً استقطعته من راتبي الخاص ريثما أجد له عملاً يناسب شهادته وتخصصه.

• “ماذا تريد إذن؟”