رواية لج سلسلة ملحمة البحور السبعة ‎PDF تأليف أسامة المسلم

اقتباسات من رواية لج سلسلة ملحمة البحور السبعة تأليف أسامة المسلم

اقتباس من وسط رواية لج سلسلة ملحمة البحور السبعة

سلطعون صغير يمشي على رمال الشاطئ الدافئة، يختبئ في قوقعته مع كل موجة تضرب الساحل. يخرج رأسه ليتفقد بعينيه المكان من حوله بعد تراجع الأمواج، ثم يسير مرة أخرى لمسافة قصيرة قبل أن يختبئ مرة أخرى خوفاً من زبد البحر المندفع نحوه.

رجل يلتقط ذلك السلطعون ويحدق به لثوانٍ ثم يقول بصوت مرتفع: “هذا سيكون طعماً مناسباً!” فتى صغير يقترب من الرجل بوجه حزين ويقول: “اتركه يا أبي.” الرجل باستغراب: “أتركه؟ الأسماك تحب هذا النوع من القشريات وستلتهمه بمجرد نزوله إلى الماء من طرف صنارتنا.” الفتى: “وما ذنبه؟” الرجل: “ذنب من؟” الفتى: “ذنب هذا السلطعون.” ضحك الرجل من كلام ابنه وقال: “كن مستعداً غداً عند إشراقة الصباح الأولى!”

في اليوم التالي، وقبل بزوغ الفجر بدقائق، وعند أحد الشواطئ النائية والبعيدة عن ضجيج المدينة، جلس الرجل مع ابنه الوحيد الذي لم يتجاوز العشر سنوات من عمره، يعدان العدة للخروج في رحلة صيد بقارب صغير استأجراه لهذا الغرض. كان الرجل يريد الترويح عن ابنه الذي أصبح منطوياً على نفسه مؤخراً بسبب وفاة أمه قبل أشهر قليلة مضت. لم يكن الفتى متحمساً للرحلة، لكن والده حاول رفع معنوياته وإثارة حماسه قائلاً:

“لقد كنت مثلك أول مرة حاول فيها أبي أن يأخذني في رحلة الصيد الأولى.. لم أكن متحمساً على الإطلاق، لكن بمجرد أن اهتز خيط الصنارة في يدي تعلَّق قلبي بالصيد. مثلما علقت سمكتي الأولى في الخطاف ذلك اليوم، وأنا واثق أن الشيء نفسه سيحدث معك.”

لم يُبدِ الفتى حماساً حتى بعد كلمات أبيه المشجعة له، لكنه ساعد والده في تحميل القارب بما يحتاجانه لتلك الرحلة. كانت المنطقة التي اختارها الرجل منعزلة جداً وهادئة، وقليلاً ما يشاهد فيها أحد سواء للصيد أو التنزه، لكن تعلقه عاطفياً بالمكان كان الدافع الأول وراء اختياره للصيد هناك مع ابنه، بالإضافة إلى وفرة الأسماك بسبب قلة الزوار لتلك المنطقة.

بعد ساعة من الإبحار بالقارب، توقف الرجل وطلب من ابنه البدء برمي الصنارات التي أعداها سابقاً. رمى الفتى ثلاث صنارات في الماء بعدما علّق والده الطعم فيها. أمسك كل صنارة بيده، وربط الثالثة في مقدمة القارب.

بدأ الرجل يتحدث مع ابنه، وكان الحديث ذا شجون، تحدث فيه لأول مرة عن مشاعره منذ وفاة أمه وكيف أنه كان يفتقدها بشدة. لم يصطد الاثنان شيئاً ذلك اليوم، لكنها كانت فرصة ليخوضا حديثاً جميلاً افتقداه منذ أشهر.

بدأت الشمس بالمغيب، فهمّ الرجل بالعودة، لكن ابنه أخبره بأنه يرغب في البقاء مدة أطول عله يصطاد سمكته الأولى. ابتسم الرجل ولم يرفض طلبه، رغم معرفته بأن البقاء في البحر ليلاً قد يكون خطيراً في حال تعرضا لأي عارض مفاجئ، لكنه وافق بشرط أن يعودا فور نزول قرص الشمس واختفائه من الأفق. هزّ الابن رأسه مبتسماً بالموافقة، ورمى خيطه في الماء بعدما جدد الطعم على الخطاف.