كتاب أساليب النجاح سلسلة تعلم كيف تنجح PDF تأليف هادي المدرسي

الفتى الذي صعد من الركام، وصل بعد سنوات إلى رئاسة شركة ناجحة، كانت تدر عليه مائة ألف دولار في العام، بالإضافة إلى أرباح جانبية قاربت المليون دولار.

عندما سُئل هذا الفتى عن سر نجاحه، أجاب:
“هناك مقدرتان مهمتان في الإنسان، لا تقدران بثمن:

1. القدرة على التفكير.
2. القدرة على القيام بالأشياء طبقًا لأهميتها”.

وأضاف تشارلز لوكمان—وهذا اسمه—قائلًا:
“إن معظم نجاحي يعود إلى تنمية هاتين المقدرتين. فأكثر ما أتذكره هو أنني كنت أستيقظ في الساعة الخامسة صباحًا لأنني أستطيع أن أفكر في هذا الوقت أفضل من أي وقت آخر. وكنت أخطط في ذلك الوقت ليومي، وأحدد الأشياء التي يجب عليّ القيام بها طبقًا لأهميتها”.

تصطف الأعمال أمام الإنسان من غير تصنيف، فخلال اليوم الواحد هناك أمور كثيرة بحاجة إلى الإنجاز، وغالبًا ما يتجه الذهن إلى إنجاز ما هو أقل أهمية، حيث يتطلب مجهودًا أقل. فإذا كان عليك في يوم معين أن تقوم بزيارة عمل، وكتابة موضوع، وترتيب مكتبتك، فلربما يتجه تفكيرك إلى الأمر الأخير أولًا، ثم كتابة الموضوع، ثم القيام بعملية الزيارة، بينما العكس هو المطلوب.

وقد تقول: ما الفرق؟ المهم أن أنجز ما عليّ إنجازه، أما أن يأتي ذلك بهذا الترتيب أو ذاك فليس مهمًا.

ولكن المشكلة أن الأشياء الأقل أهمية كثيرًا ما تشغل الإنسان عن الأمور الأكثر أهمية. فترتيب المكتبة، من المثال السابق، قد يستغرق من الوقت ما يمنعك عن كتابة الموضوع والقيام بالزيارة.

يقول الإمام علي (ع): “من اشتغل بغير المهم، ضيّع الأهم”، ويقول أيضًا: “من اشتغل بالفضول، فاته من مهمّه المأمول”.

إن الأعمال مراتب، ولا بد من مراعاة تلك المراتب، وإعطائها العناية والوقت والجهد حسب أهميتها. وإلا، فإن الفرق بين الناجحين وغيرهم ليس في حجم الأعمال، فلربما يقوم الفاشل بجهد أكبر مما يقوم به الناجح، بل في أن الناجحين ينجزون نوعيات أفضل من غيرهم.

الفرق في النوعية.

لقد جعل الله تعالى حتى للأعمال الصالحة مراتب، حيث يقول سبحانه:

“أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُو۟لَٰئِكَ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ”.

وإذا كانت الصالحات درجات، فكيف بالأمور الأخرى؟

يقول مؤسس شركة “ستيز سرفيس”:
“أعرف من خلال التجربة الطويلة أن المرء لا يستطيع دائمًا القيام بالأشياء طبقًا لأهميتها، لكني أعرف أيضًا أن اتباع خطة للقيام بالأشياء المهمة أولًا هو أفضل لك، ويساعدك في إنجاز مهامك بسهولة”.

ولو لم يجعل جورج برنارد شو هذه القاعدة أساسًا لعمله، لربما فشل في كونه كاتبًا وبقي عاملاً في مصرف صغير طيلة حياته.

لقد كانت خطته تقضي بأن يكتب خمس صفحات في اليوم خلال تسع سنوات، مع أنه لم يكسب خلالها سوى ثلاثين دولارًا—أي حوالي مليم في اليوم.

الفرق بين الناجحين والفاشلين ليس في مقدار الجهد الذي يبذلونه، بل في ترتيب الأولويات.

الجميع يعمل كل يوم بمقدار يوم واحد، وليس أكثر، لكن الفرق هو أن الناجحين يعملون الأشياء حسب أهميتها، فلا ينشغلون بما هو أقل أهمية ما دام هناك شيء أهم. ولا يقنعون بربح بسيط ما داموا قادرين على كسب ربح أكبر، ولا يكتفون بموقع عادي في العمل أو المجتمع ما داموا قادرين على الحصول على موقع ممتاز.

أما الفاشلون، فهم أحيانًا يعملون أكثر من الناجحين، ولكنهم يعملون بالعكس: ينشغلون عن الأهم بالمهم، وعن الممتاز بالعادي، وعن الأرباح الكبيرة بأرباح بسيطة.

كيف تلتزم بقاعدة “الأهم أولًا”؟

1. ابدأ بترتيب الأمور حسب الأهمية من مرحلة التفكير.

   • إذا قررت القيام بمجموعة أعمال، فاقضِ بعض الوقت في ترتيبها في ذهنك أولًا، ثم كتابتها على الورق ثانيًا.
   • لا تشغل ذهنك بما هو أقل أهمية، ما دامت هناك أمور أكثر أهمية بحاجة إلى التفكير.
   • يقول الإمام علي (ع): “إن رأيك لا يتسع لكل شيء، ففرغه للمهم”.

2. ضع جدولًا يوميًا لأعمالك، وحاول الالتزام به.

   • أو على الأقل، اكتب أهم ما يجب عليك فعله، وحاول ألّا ينقضي اليوم إلا وقد أنجزته.
   • اجتهد قدر الإمكان في ألا تنشغل بما لا يعنيك، لأن ذلك يشبه الطفيليات التي تضر بأصل الشجرة.
   • يقول الإمام علي (ع): “أقم رأيك على ما يعنيك”.

3. اعتمد على تصنيف الأولويات في جدول أعمالك.

   • بعض الخبراء يرون أهمية بالغة في وضع جدول للأولويات، بحيث يتم إدراج المهام حسب أهميتها في اليوم، الأسبوع، والشهر.
   • يمكن تصنيف الأعمال إلى مجموعات مثل (أ)، (ب)، (ج)، والتركيز على إنجاز الأعمال الواردة في المجموعة الأولى قبل غيرها.

4. ارفض كل عمل غير مهم ما دامت لديك أعمال أهم.

   • يقول الحديث الشريف: “لا قربة بالنوافل إذا أضرّت بالفرائض”.
   • ويقول أيضًا: “من اشتغل بغير ضرورته، فوّته ذلك منفعته”.
   • فمن ينشغل بغير الضروري، فإنه يفوّت على نفسه حتمًا ما هو ضروري.

وهذا ينطبق على الأفراد، كما ينطبق على الدول والجماعات.