كتاب الدماغ والألم نقلة نوعية في علم الأعصاب – تأليف ريتشارد أمبرون

عندما يُطلب من المرء اختيار الحاسة الأكثر تعقيدًا، سيختار البصر أو اللمس أو حتى حاسة الشم. وهذا منافٍ للواقع، لأن الألم، كما عرفنا أخيرًا، هو الحاسة الأكثر تعقيدًا بين جميع الحواس، كما أنه الأكثر أهمية من الناحية الطبية، والمدهش أنه الأكثر أهمية أيضًا للبقاء على قيد الحياة.

إن الغرض من هذا الكتاب هو وصف العديد من التطورات الأخيرة التي طرأت على فهمنا للألم، وشرح كيف تقودنا هذه التطورات إلى إيجاد أساليب جديدة حاسمة في علاجه.

بداية، دعونا نتأمل حقيقة أن نظرتنا إلى العالم تعتمد على مدى دقة الدماغ في تفسير المعلومات الواردة من حواسنا. أساسًا، يخلق الدماغ مفهومًا ثلاثي الأبعاد لمحيطنا من خلال دمج المعلومات الواردة من البصر، والشم، والسمع، واللمس، والألم، وغيرها من الأنظمة الحسية عالية الدقة. تُنقل هذه المعلومات إلى المراكز العليا في الدماغ، حيث تُصاغ الاستجابة المناسبة، ويُرسل أمر إلى عضلاتنا للاستجابة بشكل مناسب كما نرجو. ومن اللافت للنظر فعلًا أن كل هذا يحدث في كل جزء من الثانية نكون فيها مستيقظين.

ولكن، ليس كل إحساس ضروريًا، إذ يمكننا بالتأكيد البقاء على قيد الحياة دون بصر أو سمع أو شم. وكذلك، فإن الخدر أو غيره من اضطرابات اللمس مزعج، لكنه يمكن تحمله.

بيد أن الألم هو الحاسة الوحيدة الضرورية للحياة، لأنه ينبه الدماغ إلى وقوع أذية ما، وبالتالي يثير استجابة لحماية الجرح، على سبيل المثال، من أضرار إضافية. كما أنه تعليمي، لأنه يعلمنا، وعادةً في سن مبكرة، ما يجب تجنبه. والناس الذين يولدون مع عيوب في أنظمة الإحساس بالألم لا تستمر حياتهم لفترة طويلة.

وفي حين أنه يوفر الحماية من جانب، فإن الألم قد يكون مرهقًا من جانب آخر. نحن نعيش في عصر يُنظر فيه إلى الألم على أنه تدخل غير مرغوب فيه في حياتنا، ومن الأفضل تجنبه. واليوم، تُعزى نسبة كبيرة من زيارات المرضى إلى الطبيب إلى الألم، كما أن العديد من المستشفيات لديها الآن عيادات كاملة مكرسة لمعالجة الألم.

لحسن الحظ، فإن الألم الناتج عن الجروح الطفيفة أو الحروق أو السحجات عادةً ما يتراجع في غضون يوم واحد، ويمكن الحد منه عن طريق الأدوية التي لا تستلزم وصفة طبية. بيد أن الألم يصبح مشكلة عندما يطول أمده. فالألم بعد الجراحة، على سبيل المثال، يسبب مشكلة لأنه يجعل المريض عاجزًا، ويمكن أن يستمر لأيام أو أكثر. ومع ذلك، حتى هذا النوع من الألم يمكن معالجته بمسكنات قوية.

هذه المعلومات قاعدة أساسية تدعم الفكرة السائدة بأن الألم المزمن ناتج عن خلل في البروتينات. وبالتالي، فإن الهدف من صناعة الأدوية هو تطوير عقاقير تستهدف هذه الجزيئات المارقة وتخفف الألم. هذا النهج الدوائي له ميزة، لكنه يواجه العديد من العقبات، وعلى رأسها التعقيد الهائل للجهاز العصبي، وحقيقة أن العديد من هذه البروتينات لها وظائف في أجهزة أخرى، مما يجعل التدخل في عملها في أحد تلك الأجهزة يؤدي إلى آثار جانبية على جهاز آخر.

يُقسَّم هذا الكتاب إلى أقسام تستعرض الألم وفق مجموعة متنوعة من وجهات النظر. يبحث القسم الأول في الفرضيات التي ينطوي عليها النهج الدوائي القائم على الهدف، ويناقش المسارات المسؤولة عن توصيل معلومات الأذية إلى المراكز العليا في الدماغ. وتتطلب هذه الدراسة بعض المعرفة بعلم الأعصاب، لذا سيُخصص عدد من الفصول للحديث عن التشريح العصبي، والبيولوجيا العصبية الخلوية والجزيئية.

لا تقلقوا، فعلى الرغم من وجود آلاف المقالات التي تصف الأبحاث ذات الصلة، فإن هدفنا في كل فصل هو تقديم معلومات كافية تساعد القارئ على فهم العمليات والقضايا الأساسية وحسب. وأصبح هذا الفهم أسهل، لأن المعلومات الواردة في النص تعززها الرسوم البيانية والتوضيحية المبسطة. بالإضافة إلى ذلك، سنركز فقط على الجزيئات والأحداث التي نعتقد أنها الأكثر صلة بفهم الاستجابات الأولية للألم.