كتاب الشخصية السودانية دراسة أنثروبولوجية نفسية PDF تأليف محمد عبد العزيز الطالب

تبلورت فكرة هذه الأطروحة من خلال مشاركة المؤلف في ندوة بعنوان الشخصية السودانية: هل هي الشخصية المبتغاة؟، والتي نظمها مركز دراسات المرأة بقاعة الشارقة بالخرطوم في عام 2006م، وقد كان للمؤلف شرف إدارتها. ثم أخذت الفكرة تلح عليه من خلال مشاركته أيضًا في برنامج إذاعي بالإذاعة السودانية، من إعداد وتقديم الدكتور عوض إبراهيم عوض، حيث تناول البرنامج الشخصية السودانية بسلبياتها وإيجابياتها.

شرع المؤلف بعد ذلك في تنظيم الأفكار الواردة ضمن الفعاليتين الإعلاميتين في كتابة فصل عن الشخصية السودانية ليكون مكمِّلًا لكتاب مقرر لطلاب جامعة السودان المفتوحة، وذلك استجابةً لدعوة البروفيسور عبد الباقي دفع الله، نائب عميد كلية الآداب بجامعة الخرطوم آنذاك، ونائب عميد الشؤون العلمية حاليًا، بمشاركة البروفيسور رقية السيد، أستاذة علم النفس بجامعة الخرطوم.

تكثفت الفكرة لاحقًا خلال مشاركة المؤلف في دورة تدريبية أقامها معهد البحوث والدراسات الاستراتيجية بجامعة أم درمان الإسلامية في أغسطس 2008م، حيث اقترح على الأستاذ الدكتور محمد حسين سليمان، الرائد المؤسس للمعهد، تضمين تصور مناهج ومقررات الدراسات العليا في الدراسات الاستراتيجية مادة تتناول التخطيط الاستراتيجي على ضوء خصائص الشخصية القومية السودانية، بهدف تحديد هذه الخصائص ثم التخطيط استراتيجيًا لتعزيز المرغوب منها، وتعديل أو إزالة غير المرغوب لتتسق مع مشروع السودان الاستراتيجي الشامل. ومن ثم تولى المؤلف إعداد هذا المقرر وفق تلك الرؤية.

من خلال هذه المناسبات المختلفة، اكتملت فكرة هذا الكتاب، وتبلورت بصورة أعمق خلال هجرة المؤلف إلى المملكة العربية السعودية للعمل بجامعة تبوك في مجال تدريس المواد التربوية. حيث أتيح له النظر إلى الشخصية السودانية من الخارج، ودراستها خارج إطارها الجغرافي، مما أتاح له فرصة رصد خصائصها في صورتها النقية، لا سيما عند مقارنتها بالقوميات والجنسيات الأخرى في المملكة العربية السعودية، إذ تظهر الأشياء بأضدادها وتتبلور عند المقارنة مع الشبيهات.

دوافع تأليف الكتاب

من جانب آخر، استشعر المؤلف الحاجة إلى تأليف هذا الكتاب نظرًا لظروف السودان التاريخية والراهنة، فهو بلد نامٍ يتميز باتساع رقعته الجغرافية، وتعدده العرقي والثقافي، فضلًا عن التنوع الجغرافي الطبيعي والبشري، مما يجعل الحاجة ملحّة لدراسة متعمقة للشخصية القومية الخاصة به. لا سيما أن المشهد السوداني اليوم يشير إلى أن البلاد ما زالت تترنح في طريق الاستقرار السياسي، وأنها تمر بمرحلة ما قبل الاندماج القومي الكامل. فمظاهر الاستقطاب الثقافي، والاستعلاء العرقي، والمواجهات العسكرية، والصراعات السياسية، تؤكد أن مشروع الصياغة القومية ما زال متعثرًا، مما يوجب على الجميع العمل على إنجازه، ويدعو الدارسين إلى بذل الجهود لاكتشاف القواسم المشتركة بين مختلف مكونات المجتمع السوداني، لتحديد مدى التقارب والتباعد بينها، ومعرفة ما توصلت إليه الجهود الوطنية والظروف البيئية منذ فجر التاريخ في رسم وخلق ملامح الشخصية السودانية المتميزة، بكل ما يتضمنه هذا التاريخ من مزايا وعيوب، صراع وحوار، حضور وغياب، نواتج وأسباب، حاضر واحتمالات مستقبلية.

وينبغي تحديد مدى نجاح هذه الجهود في توسيع وتجذير هذه المشتركات كمًّا ونوعًا، رأسيًا وأفقيًا، على مستوى الأفراد والجماعات. لذا، فإن المسار الصحيح لهذه الدراسات يجب أن يبدأ بوصف الواقع كما هو، وفق منهجية البحث الوصفي، الذي يعتمد على أدوات البحث الموضوعية والمحايدة. فالتشخيص يمثل الخطوة الأولى التي تسبق أي معالجة لاحقة تهدف إلى تصحيح العيوب وتعزيز المزايا في الشخصية السودانية.

إن الاعتراف والوعي بمكونات الشخصية السودانية يمثل المدخل الأساسي للنهضة والبناء. لذا، يجب ألا تتوقف المساعي والدراسات الفكرية الرامية إلى توحيد الهوية، وتحديد الخصائص، وتعريف مكونات هذا الكيان المتعدد الأبعاد.

محاور الدراسة

تأتي هذه الدراسة في سياق هذه الجهود، حيث يرى المؤلف أنها امتداد للعديد من المحاولات التي سعت إلى تشريح الشخصية السودانية، وتحديد خصائصها الفريدة، والبحث في مكوناتها وأثرها على الهوية الوطنية. وهي ليست الدراسة الأولى التي تناولت هذه القضية، فقد دار حولها جدل واسع وعميق، تطور إلى مدارس فكرية وأدبية مختلفة في رؤاها. لكن ما يميز هذه الدراسة، في نظر المؤلف، هو سعيها إلى إسناد الكثير من خصائص الشخصية السودانية إلى أصولها الثقافية، وإثارة النقاش حول تأصيل تلك الخصائص، ومحاولة وضعها في سياقها العام داخل الشخصية السودانية، مع التركيز على كيفية تفاعل هذه المكونات وأثرها على المشهد التاريخي الراهن.

بالإضافة إلى ذلك، تناقش الدراسة مسألة هوية الشخصية السودانية، خاصةً أن جدلية الهوية السودانية بين العروبة والأفريقية كانت وما زالت قضية محورية تشغل الطبقة المثقفة بصورة مباشرة، كما تؤثر بصورة غير مباشرة على كافة فئات الشعب السوداني. ويمكن القول بحق، إن قضية الهوية تمثل مأزق الفكر الاجتماعي والسياسي السوداني طوال العقود الماضية، وهي اليوم تُلقي بظلالها على المشهد السياسي، لا سيما مع تصاعد الصراع حول السلطة إلى حد الحرب الأهلية (هاشم، 1999).

محتويات الكتاب

يتكون هذا الكتاب من أربعة فصول:

1. الفصل الأول: يتناول الشخصية الفردية بوصفها الوحدة الأساسية التي تتكون منها الشخصية القومية. ويشمل تعريفات الشخصية، والمحددات التي تسهم في تشكيلها، واستعراضًا مختصرًا للأطروحات النظرية لمدارس علم النفس المختلفة في فهم الشخصية، إضافة إلى التوزيع الطبيعي للسمات والخصائص الإنسانية.

2. الفصل الثاني: يناقش مفهوم الشخصية القومية بصورة عامة، متناولًا أهميتها، والمسارات المنهجية لدراستها، والفروق بينها وبين المفاهيم المشابهة، إضافة إلى تحليل محدداتها الثقافية والتاريخية.

3. الفصل الثالث: يخصص لدراسة الشخصية السودانية، حيث يحاول تحديد ماهيتها من خلال تفكيك مكوناتها الإثنية والثقافية، والبحث في التفاعل بين هذه المكونات، مع تقديم إطار نظري يفسر تكوينها عبر الزمن.

4. الفصل الرابع: يتناول التحليل النفسي والاجتماعي للشخصية السودانية، عبر دراسة بعض المفاهيم المفسرة لسلوكياتها، ومنها مفهوم ظاهرة الإلباس المريح، حيث يقدم المؤلف تعريفًا دقيقًا له، ويقارنه بمفاهيم مشابهة، ثم يطبقه على بعض السلوكيات الحياتية اليومية في المجتمع السوداني.

تهدف هذه الدراسة إلى تقديم رؤية شاملة ومتعمقة حول الشخصية السودانية، بالاستناد إلى أسس علمية وتحليلية، مع التركيز على العوامل المؤثرة في تشكيلها عبر التاريخ. كما تسعى إلى توجيه دفة النقاش نحو فهم أكثر دقة لمكونات الهوية السودانية، وتعزيز الوعي بالقواسم المشتركة التي يمكن أن تسهم في بناء مشروع وطني متكامل لتحقيق الاستقرار والتنمية.