كتاب دونالد ترامب وملفات الشرق الأوسط مقاربات الجنون والسياسة – تأليف صادق الطائي

يتناول كتاب “دونالد ترامب وملفات الشرق الأوسط” للعالم السياسي صادق الطائي العلاقة الممتدة بين الولايات المتحدة ومنطقة الشرق الأوسط منذ الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم. الكتاب يستعرض هذه العلاقة التي تمتد لأكثر من سبعين عامًا، حيث ظهرت الولايات المتحدة كقوة عظمى بعد الحرب العالمية الثانية، وبدأت في ملء الفراغ الذي خلفته الإمبراطورية البريطانية في المنطقة.

في حقبة الحرب الباردة، اعتمدت الاستراتيجية الأمريكية على دعم الأنظمة التي تتوافق مع مصالحها، حيث كانت الديمقراطية في البلدان الحليفة ليس لها الأولوية، بل كان الهدف هو ضمان الاستقرار السياسي وحماية المصالح الأمريكية. كانت الأنظمة التي دعمتها الولايات المتحدة في ذلك الوقت هي أنظمة ديكتاتورية، حيث كانت المصالح الاقتصادية والأمنية تسبق القيم الإنسانية.

منذ بداية السبعينيات، بعد اجتياح الاتحاد السوفيتي لأفغانستان في 1979، دخلت الولايات المتحدة في لعبة استثمار “الإسلام السياسي” لإضعاف السوفييت، وهو ما ساعد في ظهور ما عرف بـ “العرب الأفغان” الذين شاركوا في مقاومة الاحتلال السوفيتي، لكن هذه السياسة أسفرت عن تبعات سلبية، حيث تحول هؤلاء الجهاديون إلى تهديدات للأمن الإقليمي بعد عودتهم إلى بلادهم.

استراتيجية أمريكا في الشرق الأوسط:

أشار الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في مقابلة مع الصحفي توماس فريدمان إلى أن التحديات التي يواجهها العرب في المنطقة ليست محصورة في تهديدات خارجية فقط، بل هناك أيضًا مشكلات داخلية تتعلق بالبطالة، والإقصاء الاجتماعي، والفكر المتطرف، وهي عوامل ساهمت في تفاقم الأزمات السياسية في المنطقة.

أوباما أكد أن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تتسم بالثبات فيما يتعلق بالمصالح الاستراتيجية، حيث تركز الولايات المتحدة على ضمان استقرار الدول المصدرة للبترول وأمن إسرائيل. هذه السياسات لا تتأثر بتغيير الإدارة الأمريكية أو الحزب الحاكم، فهي مبنية على أسس استراتيجية راسخة تحرص على حماية مصالح أمريكا أولًا، مع ضمان أمن حليفها الرئيس “إسرائيل” ثانيًا.

فترة ما بعد الحرب الباردة:

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وغياب التهديد السوفيتي في التسعينيات، أصبحت الولايات المتحدة القوة الوحيدة التي تحكم العالم وفقًا لمفهوم “العالم أحادي القطب”. وفي هذه الفترة، بدأ التيار السياسي المحافظ الجديد في الظهور بشكل أكثر وضوحًا، حيث كانت الشخصيات مثل ديك تشيني، ودونالد رامسفيلد، وكوندوليزا رايس، وآخرين من “المحافظين الجدد” حول الرئيس جورج بوش الابن هم من قادوا السياسة الأمريكية في المنطقة. هؤلاء كانوا يروجون لفكرة “القرن الأمريكي” الذي يضمن هيمنة الولايات المتحدة على العالم، وكانوا يروجون لفكرة الصراع الثقافي، مستندين إلى نظريات مثل “صراع الحضارات” لصامويل هنتنغتون.

حرب العراق و”العدو الجديد”:

بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، التي أحدثت تحولًا كبيرًا في السياسة الأمريكية، بدأ “المحافظون الجدد” في التأكيد على ضرورة محاربة “العدو الجديد”، وهو “الإرهاب الإسلامي”، ورمزه الأساسي في تلك الفترة كان تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن. كانت الولايات المتحدة بحاجة إلى تعزيز موقفها الدولي من خلال إعادة تعريف “الأعداء” و”الحلفاء” في المنطقة، وهو ما أدى إلى الحرب على العراق في 2003.

بالتالي، يعرض الكتاب كيفية تحكم القوى السياسية في واشنطن في صياغة سياسات الشرق الأوسط، سواء في دعم الأنظمة الديكتاتورية أو في التحولات التي شهدتها المنطقة بعد أحداث 11 سبتمبر، مرورًا بالاستراتيجيات التي استهدفت “الجهاديين الإسلاميين” والإرهاب الذي نشأ في بيئات حاضنة كانت في الغالب حليفة للولايات المتحدة.

استنتاجات الكتاب:

يشير الكتاب إلى أن الاستراتيجيات الأمريكية في الشرق الأوسط كانت وما زالت تعتمد على الحفاظ على المصالح الاستراتيجية في المنطقة، سواء عبر دعم الأنظمة الحليفة أو من خلال مواجهة الأعداء الجدد الذين يتغيرون وفقًا للمصالح السياسية والاقتصادية العالمية. هذه السياسات كانت دائمًا تتسم بالواقعية البراغماتية، حيث يتم اتخاذ القرارات بناءً على ما يخدم المصالح الأمريكية بشكل رئيسي، بغض النظر عن التغيرات السياسية أو القيم الإنسانية التي قد تُطرح في الخطاب الإعلامي.