كتاب علم النفس الفسيولوجي مقدمة في الأسس السيكوفسيولوجية والنيورولوجية للسلوك الإنساني PDF تأليف عبد الوهاب محمد كامل

تشتمل مادة الكتاب على ستة عشر فصلاً يحاول المؤلف من خلالها تقديم بعض الإجابات على التساؤلات التي تم طرحها من قبل، وتتناول قضايا السلوك الإنساني من منظور تداخل المعرفة العملية. وحتى يمكننا فهم العلاقة بين النفس والجسم، فإنني أوصي القارئ بضرورة استيعاب الفصول الأربعة الأولى حيث نتعرض فيها إلى ماهية وموضوع علم النفس الفسيولوجي وما يبحث فيه، والأصول التاريخية. كما تتضمن عرضًا تحليليًا لقضايا المنهج المستخدم في الدراسات الفسيولوجية وعلم النفس الفسيولوجي في ضوء تطور أساليب وفنيات دراسة الحالات العصبية المخية. بالإضافة إلى عرض مناسب للغدد الصماء في علاقتها بالسلوك الإنساني.

وإذا كان التعلم هو المسؤول عن الشروط الموضوعية لعلية الأنسنة (Humanization)، وبالتالي أي نشاط نفسي راقٍ يخدم الإنسان، فقد أفردنا عدة فصول تناولنا فيها الأسس الفسيولوجية للعملية التعليمية والمفاهيم الأساسية السيكوفسيولوجية المرتبطة بها، مع عرض واضح للنظريات الفسيولوجية العصبية التي تفسر حدوث التعلم.

ومادام التعلم قد حدث، فلا بد وأن يستفيد الإنسان مما تعلمه، ولا يتم ذلك إلا إذا تم تخزين المعلومات المكتسبة في الأبنية العصبية والمخ. ولذلك فقد خصصنا فصلاً مستقلاً لشرح بعض الأسس النفسية والفسيولوجية للذاكرة، كونها عملية نفسية بنائية حيوية يتوقف عليها نجاح الفرد في كثير من أمور حياته. فالتعلم والذاكرة يقومان على أسس علمية ومعرفية متداخلة، ويتم دراستها على مختلف مستويات تنظيم السلوك. وحيث أن التعلم والذاكرة يشتركان في أي نشاط عقلي معرفي، فإن ثمة تغيرات تحدث في النشاط الكهربائي للمخ ونظام عمله، مما يتيح المؤشرات والأسس الفسيولوجية للبناء العقلي. ولهذا فقد تضمن الفصل الحادي عشر الدراسات والبحوث التي تناولت طبيعة العلاقة بين النشاط الكهربائي للمخ والنشاط العقلي المعرفي.

وتتضمن فصول الكتاب من الفصل الثاني عشر وحتى الخامس عشر الأسس السيكوفسيولوجية لغسيل المخ والانفعالات والعلاج النفسي. وإن كان المخ هو الذي يتحكم في أي نشاط يحدث عن الفرد، فما الذي يتحكم في المخ؟ والفصل السادس عشر يقدم الإجابة على هذا السؤال. ولكي يتعرف القارئ العربي على طبيعة البحوث السيكوفسيولوجية، فقد أوجزنا في الفصل الأخير ملخصات البحوث التي أُجريت في معمل علم النفس الفسيولوجي بكلية التربية بجامعة طنطا.

وفي ختام المقدمة، فإنني أتمنى أن أكون قد وفقت في تناول موضوعات الكتاب التي قد تملأ ثغرة في المكتبة العربية نظرًا لقلة المؤلفات التي تعالج القضايا السيكوفسيولوجية من المنظور النفسي والفسيولوجي والتربوي. فهو كتاب يتعامل معه المعلم والأخصائي النفسي والمتخصص في الطب النفسي تحقيقًا لعليّة التكامل المنشودة.

موجز تاريخ علم النفس الفسيولوجي

قد لا يعلم القارئ أن علم النفس الفسيولوجي تمتد جذوره في تاريخ علم النفس لأكثر من عشرات السنين، حيث يعود عمر هذا العلم بصورته المنظمة إلى حوالي مائة عام. فقد احتدم الصراع العلمي حول موضوع علم النفس من ناحية، وموضوع الفسيولوجيا من ناحية أخرى، حيث حاول علماء كل من الفرعين تقديم الأدلة على أنهما هما اللذان يبحثان ويدرسان السلوك وحياة الفرد.

وأسفرت تلك الصراعات عن مولد علم يقع نطاق اهتماماته في منطقة التداخل بين علم النفس والفسيولوجيا. وكان من الطبيعي أن تظهر مشكلة تتعلق باسم المولود، هل يطلق عليه “علم النفس الفسيولوجي” (Physiological Psychology) أم “علم السيكوفسيولوجيا” (Psychophysiology)؟ وأجدير بالذكر أنه بغض النظر عن التسمية، فقد ساهم في بناء وتطوير هذا العلم، كسائر فروع العلم الأخرى، علماء من مختلف الفروع البيولوجية والنفسية والرياضية والفيزيائية، لينضم إليهم اليوم علماء الذكاء الصناعي والحاسبات الآلية وعلوم التشريح والأعصاب، وغيرهم.

ففي القرن السادس قبل الميلاد، كتب فيثاغورس عن فكرة أن المخ هو مركز العقل. ومنذ ذلك الحين، عرف الناس أن العقل السليم في الجسم السليم، وفي الوقت الحاضر، بسبب اكتشاف أثر الحالة النفسية للفرد على أعضائه الداخلية، يقولون “الجسم السليم في العقل السليم”. ومن ذلك نكتشف أن قضية العلاقة بين العقل والمخ أو الجسم قد أثارها الفلاسفة منذ زمن بعيد.

كما أن سودانسيوس (Soranus) قد وضع تصنيفًا للأمراض العقلية في الفترة من 88 – 128 بعد الميلاد. وتأتي بعد ذلك نظرية جالينوس اليوناني الأصل الذي عاش في القرن الثاني بعد الميلاد حول المخ، وقد استمرت حوالي 19 قرنًا.

ويطالعنا علم النفس الفسيولوجي بمحاولة فرانز جال (Franz Gall) في سنة 1822، والتي تعتبر من أقدم المحاولات التي حاولت أن تربط بين خصائص الجمجمة وحجمها وشكلها وبين القدرات العقلية التي كانت تعرف وقتها باسم “الملكات”. حيث وضع جال خريطة الفراسة العقلية وأسس علم الفراسة. ونحن لا نستطيع حصر جميع الأحداث العلمية التاريخية التي أدت إلى إرساء دعائم علم النفس الفسيولوجي، وسوف أكتفي بذكر بعض الأحداث العلمية العامة استكمالًا لما ورد ذكره.

ففي عام 1838، اكتشف ريماك مادة تحيط بالألياف العصبية. حيث اكتشف في عام 1833 أن المادة الرمادية ذات طبيعة خلوية (عرفت فيما بعد بأنها تحتوي على المراكز العصبية). وفي العام التالي، أي في سنة 1834، توصل عالم الفسيولوجيا الألماني ويبر (Weber) إلى إثبات هام يوضح أن مقدار التغير في شدة المثير مقسومًا على مقدار المثير الأصلي يساوي دائمًا مقدارًا ثابتًا، عرف باسمه، ويستخدم في قياس عملية الإحساس. ثم قام هلمولتز (Helmholtz) في سنة 1860 بتقديم طريقة قياس سرعة النبضات العصبية في الأعصاب، ونعلم جميعًا أن منهج الطم هو أساس بناء هذا القياس، ونجاح هلمولتز في ذلك القياس يعتبر إضافة علمية هامة في المنهج والنتائج التي مازالت تقاس بالأساليب المتطورة اليوم.

وفي عام 1857، قدم شيرينجتون (Sherrington) نتائج هامة حول تحديد وظائف الجهاز العصبي، من حيث أهمية التناسق والتكامل بين أجزاء المخ بالنسبة لمستوى النشاط العقلي ذاته. وفي عام 1862، قدم الفيزيائي الرياضي ميكنر (Weber) تصحيحًا لمعادلة ويبر، حيث أثبت فيها أن العلاقة بين مقدار الإحساس وشدة المثير هي علاقة لوغاريتمية. وتعد هذه المعادلة أساسية في قياس تشغيل المعلومات في المخ.