كتاب ملايين السنين قبل الميلاد PDF تأليف فلاديمير كوروفين

كيف كانت الأرض منذ ملايين السنين؟

في قديم الزمان، منذ ملايين السنين، حين لم يكن هناك نبات أو حيوان أو حتى الإنسان نفسه، كان كوكب الأرض يبدو مختلفًا تمامًا عما نراه اليوم. ولو كان باستطاعتنا أن نركب آلة الزمن وننتقل إلى الماضي السحيق، لشعرنا برهبة مما نرى.

تخيل: ألسنة ضخمة من اللهب تتدفق من باطن الأرض، وحمم نارية تتسرب خلال الصخور الجامدة، ورياح عاصفة تقطع السحب السوداء إلى أجزاء، وترتفع في الهواء شرارات متوهجة، وينطلق البرق ذو الضوء المبهر في كل مكان، ويستمر الرعد. فكل شيء حولنا يغلي وينفجر! لقد قررت القوى العظمى للطبيعة – الهواء، والنار، والمياه – الصراع في معركة عظيمة. ومن غير المعروف كم كان سيستمر هذا الصراع، لولا هطول الأمطار.

وقد استمر هذا آلاف السنين دون توقف. ومن يوم لآخر، كانت تيارات المياه المندفعة تتدفق بلا توقف، فلم تكن هناك فرصة لتجف. وبدأت المياه تتجمع في الأراضي والممرات المنخفضة. تلاقت تدريجيًا ملايين البرك في البحار الواسعة، وتجمعت العديد من التيارات الصغيرة، متحولة إلى أنهار هائجة. ومن البحار والأنهار، تكوّن المحيط العالمي، الذي شغل جزءًا كبيرًا من اليابسة. وهناك بالتحديد تشكلت الحياة الأولى.

أصل الحياة

ظهرت أول الكائنات الحية في المياه. لا أحد يعرف بالضبط كيف ظهرت، أو كيف بدأت الحياة بشكل عام على كوكب الأرض. يثق المؤمنون بأن الله – القادر على كل شيء – هو من خلق الحياة. بينما يفسر العلماء الأمر بشكل مختلف، إذ يرون أن الشمس والمياه هما سبب الحياة.

ومع تكوّن المحيط العالمي نتيجة الأمطار المستمرة، امتدت مياهه لتنتشر في المساحات الجديدة على اليابسة، مختلطةً بالعديد من المواد الكيميائية والجسيمات الصغيرة. وارتفعت حرارة المياه بفعل أشعة الشمس، فصار المحيط يشبه صحنًا كبيرًا من الحساء، ممتلئًا بالآلاف من النكهات والتوابل المختلفة. وفي هذه الكتلة الدافئة، بدأت أصغر الكائنات الحية في التطور.

في البداية، كانت بنية هذه الكائنات بسيطة جدًا، تشبه إلى حد كبير بنية الجراثيم والبكتيريا في يومنا هذا. فقد كان هذا عصر الحياة غير المرئية. وفي بعض الأحيان، كانت تتحد بعض هذه الجسيمات الصغيرة معًا، ما أدى إلى تشكيل كائنات أكثر تعقيدًا. وهكذا ظهرت أبسط الطحالب، وكانت بعض هذه الطحالب تمتلك قدرة ملحوظة على إنتاج مادة خاصة ذات لون أخضر.

يطلق العلماء على هذه المادة اسم الكلوروفيل، وهي مادة ذات خاصية مذهلة؛ إذ إنها – بتأثير ضوء الشمس – تتمكن من إنتاج الأكسجين. وكما هو معروف، فإن الأكسجين ضروري لتنفس جميع الكائنات الحية. وهكذا خلقت الطحالب، التي تنتج الأكسجين وتملأ الهواء والمياه به، الظروف المناسبة لظهور الحيوانات الأولى.

العصر الذهبي

مع ظهور الأكسجين، تحوّل البحر إلى جنة لسكانه؛ فقد أصبح كل ما هو ضروري للحياة متاحًا: الأكسجين اللازم للتنفس، والمياه الدافئة التي تحمي الكائنات من البرودة، والأهم من ذلك كله، توافر الطعام بكثرة. لم يكن هناك داعٍ للقلق بشأن الغذاء اليومي؛ فقط افتح فمك، وسيصل إليك الطعام بنفسه!

كان هذا العصر الذهبي في تاريخ المحيط العالمي، حيث قام مهندسون معماريون كادحون – الشعاب المرجانية – ببناء مدن تحت المياه، مزينين إياها بالقلاع المبتكرة والأبراج المزخرفة. كانت قناديل البحر تسبح مرتفعة إلى أعلى كمظلات، بينما غطت نجوم البحر قاع المحيط، وزحفت الديدان الطويلة على الرمال ملتوية في حلقات متعددة. أما الإسفنجات، فقد قامت بترشيح المياه بدقة، لتصفيها من كل ما هو مفيد ولذيذ.

كل شيء كان يسوده الهدوء والسكينة، فلم يكن أحد في عجلة من أمره. من بين الغطاء النباتي الكثيف للطحالب الخضراء الداكنة، كان يظهر مخلوق غريب ذو شوارب، يشبه إلى حد ما حشرة الحمار القبان، وكان يُعرف باسم التريلوبايت. كما كان هناك قنفذ البحر المستلقي، الذي ينتفض فزعًا بأشواكه الحادة عند رؤيته.

لكن، لا داعي للخوف! فعلى الرغم من شكله المخيف، كان قنفذ البحر كائنًا غير مؤذٍ، تمامًا مثل بقية جيرانه. فلم تكن الكائنات المفترسة قد ظهرت بعد، ولم يكن هناك من يلتهم الضعفاء والعزل. ففي العصر الذهبي، عاش الجميع في سلام وودٍّ واكتفاء.