رواية عتمة الذاكرة ‎PDF تأليف أثير عبد الله النشمي

رواية عتمة الذاكرة – أثير عبد الله النشمي: رحلة في أعماق الذاكرة والمجتمع

مقدمة عن الرواية

تُعتبر عتمة الذاكرة للكاتبة السعودية أثير عبد الله النشمي واحدة من أبرز الأعمال الأدبية في الأدب العربي المعاصر. تتميز الرواية بسرد عميق يعكس الصراع النفسي والوجودي لشخصياتها في إطار اجتماعي يتسم بالقسوة والتحديات. من خلال عتمة الذاكرة، تُسجل الكاتبة صورة قاسية عن الواقع الاجتماعي، مستخدمة السرد الدائري لإيصال أفكارها عن الاستلاب والظلم الذي يعيشه الفرد داخل منظومة اجتماعية مغلقة.

تبدأ الرواية بمشهد مؤلم وغامض: “يدوي هذا الصوت في رأسي كقنبلة توشك على الانفجار…” وتستمر الأحداث متتالية لتُظهر لنا رحلة مشهور، الشخصية الرئيسية، التي تتسم بالضياع التام بين رغباته الداخلية وما يفرضه عليه المجتمع.

السرد الدائري: بداية ونهاية متكاملتان

الرواية تعتمد على السرد الدائري، حيث تبدأ من حيث تنتهي. هذا الأسلوب السردي يُبرز تأثير الذاكرة على الإنسان، وكيف يمكن للذكريات أن تهيمن على حاضره وتدفعه للعيش في حالة من الغموض والتمزق النفسي. ففي البداية، نشهد مشهور وهو يحاول التذكر ويعيش في عتمة من الخوف والنسيان. ثم تنتهي الرواية بالجملة: “تطبطب علىَّ وأنا أصارع عتمة الذاكرة.” مما يوضح أنه في النهاية، رغم محاولاته للتخلص من هذه العتمة، يبقى العيش في الظلام هو سمة حياته.

الشخصية الرئيسية: مشهور بين التشتت والضياع

مشهور هو الشخص الضائع في الحياة، ينتمي إلى أسرة مفككة عاشت سنوات من القسوة والحرمان. فمن خلال حادث التصادم الذي يفقد فيه ذاكرته، يبدأ مشهور في استرجاع شريط حياته بدءًا من الطفولة وحتى لحظة التصادم. يظهر في تلك الذكريات كيف عاش في بيئة مليئة بالعنف النفسي والجسدي.

والدته كانت تتعرض للضرب المبرح من والده دون سبب، ومن ثم تعكس هذه الحالة سلوكها في معاملتها لأولادها، مما جعلهم يشعرون بالخوف الدائم والاضطراب. هذا العنف المنزلي يؤدي إلى تكوين شخصيات مكلومة تسعى للهروب من واقعها المؤلم.

تأثير العائلة والمجتمع على الفرد

العائلة في عتمة الذاكرة هي صورة مصغرة عن المجتمع السعودي والعربي بشكل عام، حيث يُجبر الأبناء على السير في طرق تقررها لهم السلطة الأبوية، بغض النظر عن رغباتهم أو احتياجاتهم الشخصية. هذه الصورة تؤكد أن الفرد داخل هذه المجتمعات ليس سوى بيادق تتحرك على رقعة شطرنج الحياة، حيث تتصادم رغباته مع ضغوط المجتمع.

هذا الواقع الاجتماعي لا يقتصر على السعودية فقط، بل هو ظاهرة شائعة في العديد من المجتمعات العربية. لكن في السعودية، كما يذكر الكاتب، يزداد الظلم والاستلاب بسبب التركيبة الثقافية والاقتصادية، ما يجعل التغيير الاجتماعي يبدو أكثر صعوبة.

مضمون الرواية: بين الواقع والمخيلة

عتمة الذاكرة هي أكثر من مجرد رواية عن الصراع النفسي لشخصية واحدة، بل هي نظرة عميقة في كيفية تأثير العائلة والمجتمع على الفرد. من خلال الأحداث والذكريات التي يسترجعها مشهور، تتجسد العتمة ليس فقط كحالة نفسية، بل كمفهوم مجتمعي شامل يعكس التناقضات والتحديات التي يعيشها الأفراد في ظل المجتمعات المغلقة.

الرواية تعالج العديد من المواضيع الشائكة مثل العنف الأسري، والتحكم الاجتماعي، والضياع النفسي، وتسلط الضوء على تأثير الذكريات على الحياة اليومية للفرد. لذا، تجد أن عتمة الذاكرة هي بمثابة رحلة اكتشاف الذات وسط الظلام الذي تفرضه العائلة والمجتمع.

الأسلوب الأدبي والتقنيات السردية

تمكنت أثير عبد الله النشمي من استخدام أسلوب سردي مشوق يعتمد على تقنيات متقدمة، أبرزها السرد الدائري الذي يعكس التكرار والتشويش في حياة مشهور. هذا الأسلوب يساهم في تعزيز حالة الضياع التي يشعر بها البطل، ويُدخل القارئ في حالة من الارتباك النفسي المشابه لما يعانيه البطل في الرواية.

أهمية الرواية في الأدب العربي

تُعد عتمة الذاكرة من الأعمال الأدبية المهمة التي تساهم في تسليط الضوء على قضايا اجتماعية ونفسية معاصرة، تتناول قضايا الإنسان في العالم العربي. استطاعت الرواية أن تبرز التحديات التي تواجه الأفراد داخل المجتمعات التقليدية، وأن تقدم صورة فنية رائعة للصراع الداخلي الذي يخوضه الإنسان بين ذاته ومجتمعه.