كتاب نساء فلاسفة PDF تأليف إمام عبد الفتاح إمام

هذا الكتاب، الذي يعد العدد الرابع من سلسلة “الفيلسوف والمراة”، هو دعوة للمرأة العربية لاستعادة الثقة بنفسها والتخلص من غبار الجهل والتخلف الذي تراكم عبر السنين. هو دعوة للتخلي عن الفكرة البسيطة التي تقول إن “عقل المرأة أقل من عقل الرجل” أو أن تفكيرها يتسم بالعاطفة والانفعال، وأن أحكامها غالبًا ما تكون متهورة أو عشوائية، تفتقر إلى الرؤية والتفكير العميق.

لا الدين يعترف بهذه الفكرة، ولا العلم يقر بها، ولا التاريخ يشهد على صحتها. ومع ذلك، فإن هذه الفكرة البسيطة انتشرت بعد أن قال بها أرسطو، “المعلم الأول”، وأصبحت سائدة في العالمين العربي والغربي على حد سواء، مما جعل المرأة تُعتبر كائنًا ناقصًا لا دور لها سوى الإنجاب وتربية الأبناء. وبالنسبة للخطر الذي تحمله هذه الفكرة، فإن أرسطو كان يعتقد أن الطبيعة هي من جعلت المرأة في هذا الوضع، مؤكداً أن لا علاقة للعادات أو التقاليد أو المجتمع الذكوري بذلك.

العجيب أن العالم العربي قد تبنى هذه الفكرة الأرسطية بل وأضفى عليها نوعًا من القداسة. ولكن، إذا قارنا بين هذا الرأي وبين الآية الكريمة التي تحدثنا عنها في بداية هذا المدخل، والتي تصف حكمة وذكاء المرأة كما تجسدت في صورة بلقيس، ملكة سبأ، نجد أن هناك فرقًا شاسعًا بينهما. بلقيس، عندما وصلها كتاب سليمان الحكيم، لم تتسرع في الرد بل دعَت قومها للتشاور، وهو ما يدل على قدرتها الفائقة على التفكير العقلاني والحكمة في إدارة شؤون المملكة.

في هذا الكتاب، سنعرض نماذج لنساء فلاسفة من العصور القديمة، وسيعقبه كتاب آخر يتناول فلاسفة النساء في العصر الحديث. لكن قبل أن نبدأ، يجب أن نتفق على فكرتين أساسيتين:

أولًا: في فلسفة العلم، تُعتبر الظواهر السلبية أكثر أهمية من الظواهر الإيجابية. على سبيل المثال، إذا جمعت آلاف القطع الحديدية التي تتمدد بالحرارة، ووجدت قطعة واحدة لا تتمدد، فإن هذه القطعة السلبية هي الأهم لأنها ستجعل القاعدة العلمية التي تقول “الحديد يتمدد بالحرارة” غير صحيحة. وبالتالي، يجب إعادة النظر في النظرية لتشمل كل الظواهر.

ثانيًا: يجب أن نتجنب المقولة المشهورة “لكل قاعدة شواذ”، التي لا يتفق معها التفكير العلمي السليم. فالقانون العلمي يجب أن يكون شاملًا لجميع الظواهر دون استثناء.

من خلال هذه المبادئ، نستطيع أن نقترب من الفكرة الأساسية في هذا الكتاب: أن الفلسفة، على مر العصور، كانت تُعتبر حكرًا على الرجال، وأنه من غير المعتاد الحديث عن “نساء فلاسفة”. إذا نظرنا إلى تاريخ الفلسفة الغربية، سنجد أن معظم الفلاسفة الذين تم ذكرهم هم من الرجال. وحتى عندما يتم الحديث عن “فيلسوفة” مثل هيباتيا من الإسكندرية، يتم ذكرها بشكل غير حماسي أو جزئي.

إذا سألنا هؤلاء الفلاسفة الرجال عن سبب عدم وجود “نساء فلاسفة” عبر التاريخ، فإن الإجابة التقليدية ستكون أن المرأة ضعيفة، عاطفية، وغير قادرة على التفكير المجرد، وأن الفلسفة تحتاج إلى “عقل” لا تملكه النساء. من المدهش أن نجد البعض في عالمنا العربي ينسب هذه الآراء الساذجة إلى الإسلام، بينما يقدم لنا الدين نماذج رائعة لنساء عاقلات وحكماء، مثل بلقيس، التي كانت تمتلك من الحكمة والرؤية ما يمكنها من اتخاذ قرارات مصيرية تعود بالنفع على مملكتها.